رسالة إليك…
نعم … أنا العنيدة القاسية …
أنا القوية المدللة …تلك التي كانت تحكي لك طفولتها …و مراهقاتها …
تلك التي كنتَ تلهو بضفيرتها … و تحكي لها عن عشتار روحها
…
مازلتُ كما تركتني
وحده جنوني الذي نضج…بات انتفاخ جسدي مصدر قلق و خوف كبير … أمام كل تلك العيون الشرقية التي تتربص به … ذاك الطفل الذي غرسته في شيطنتي قد كبر ..وبات مراوغاً…
أصبح يتحرك بسرعة … داخل رحم صمتي الصغير ..و ها أنا أعتزل البشر جميعاً فأنا في شهري الحادي عشر…
سأنجب منك قريباً…سأنجب منك جنوناً
فيه منك سمار الجبين المرتفع…و اشتعال ثورة بدائية في عينين دائمتي الرغبة …والحزن ….
فيه من استقامة أنفك ، و انكسار شعرك ، فيه منك …مشاكسة شفتيك
وطفولة يديك .. و تبعثر الخال على وجنتيك…
كلما تذكرتك … شعرتُ بحركة في داخلي …أحمقي الصغير يتحرك…يدفعني بعنف …يضربني بألم
أضع يدي عليه ..أتحسس حجمه الكبير …فأشعر بأعضائه …ونبض صغير يتابع نبضي…
أسمع صوته داخلي …يناديني فألبي …
.
.
قد باركت جنينك في كل المساجد … ومنحته قداسة كل الكنائس …
قد حفظ كل الشوارع …و زار كل المقابر … قرأت له في شهره الأول ….القرآن الكريم …
وفي شهره الثاني …قرأت له الكتاب المقدس ..بعهده القديم وصيفه الجديد ….
في شهره الثالث …حكيتُ له عن نيتشة … وعن زرادشت صديقك …..
وفي هلاله الرابع … حدثته عن نسبية آينشتاين …وعن رجل لا يرى خياله في المرآة لطالما كان يسير برفقة الحب و بسرعة الضوء ….
في بدره الخامس … رويتُ له قصة
التاريخ …وحكاية قرطبية …تبدأ ب”عبد الرحمن الداخل” …وتنتهي بين يدي رميكية حسناء ….على شفا هاوية من أندلس مفقود ….
في قمره السادس … حكيت له عن ستين عاماً من النكبة …في انتظاره
…
وفي سابع جنون ….
علمته نزار …..و كيف كُتِبَ تاريخ النساء ….في مدرسة للحب …و صهيل للأحزان …علمته أن لا غالب إلا الحب حتماً …
في ألمي الثامن …
علمته الحزن ….
وفي لذتي التاسعة …
علمته كيف يزرع الضحك ….
بدأت بالحديث له عنك …في شهري العاشر ….حينما لعبت معه لعبة الشطرنج ….
وجعلته يهزمني ….
في عيدي الحادي عشر …وفي عزلة …تشبه المئة عام ….فهمتُ معه معنى الإنتظار …
اقترب خوفي الثاني عشر ….
وسأكتفي بتعليمه أهم الدروس …بعد كل تلك الشهور ….وبعد أن أصبح قادراً على الكلام ….
سأعلمه الصمت ….والحديث عبر نبضات …..
….فما زرعه في رحمي …لم يكن سوى نبضات ….
هكذا منحتك جنوناً …ليس كأي جنون …فقد زرعتُ فيه الخير والشر في آن واحد ….
ولم أتركه صفحة بيضاء … كي تكتب عليها ما تريد …
لن تستغرب ما فعلتُ حتماً ….
فلقد أدركتَ مسبقاً أنني لستُ كباقي النساء …..
و قد علمتني ذلك …حين غاب هذا عني لحظة طيش…
سيدة للحواس
عليا
أضف تعليق